إن مما يصرف كثيرا من المسلمين عن تدبر القرآن والتفكر فيه وتذكر ما فيه من المعاني العظيمة إعتقادهم صعوبة فهم القرآن وهذا خطأ لمفهوم تدبر القرآن وإنصراف عن الغاية التي من أجلها أنزل، فالقرآن أولا كتاب تربية وتعليم، وكتاب هداية وبصائر لكل الناس، كتاب هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين، كتاب قد يسر الله تعالى فهمه وتدبره كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17].
قال ابن هبيرة: ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا، قال الشاطبي: فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى... اهـ.
قال ابن القيم: من قال إن له تأولا لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج... اهـ.
ويقول الصنعاني: فإن من قرع سمعه قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المزمل:20] يفهم معناه دون أن يعرف أن {ما} كلمة شرط، و{تقدموا} مجزوم بها لأنه شرطها، و{تجدوه} مجزوم بها لأنه جزاؤها، ومثلها كثير... فياليت شعري! ما الذي خص الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها وفهم تراكيبها ومبانيها.. حتى جعلت كالمقصورات في الخيام.. ولم يبق لنا إلاترديد ألفاظها وحروفها...اهـ.
إن الصحيح والحق في هذه المسألة أن القرآن معظمه واضح وبين وظاهر لكل الناس، كما قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر احد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، ومعظم القرآن من القسمين الأولين. إن عدد آيات الاحكام في القرآن 500 آية، وعدد آيات القرآن 6236 آية.
إن فهم الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والعلم بالله واليوم الآخر لا يشترط له فهم المصطلحات العلمية الدقيقة من نحوية وبلاغية وأصولية وفقهية، فمعظم القرآن بين واضح ظاهر يدرك معناه الصغير والكبير، والعالم والأمي، فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] قال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم، وحينما أخطأ إمام في قراءة آية النحل {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل:26] قرأها من تحتهم صوب له خطأه امرأة عجوز لا تقرأ ولا تكتب، إن القرآن بين واضح ظاهر وفهمه وفقهه وتدبره ليس صعبا بحيث نغلق عقولنا ونعلق فهمه كله بالرجوع إلى كتب التفسير، فنعمم حكم الأقل على الكل فهذا مفهوم خاطئ وهو نوع من التسويف في تدبر القرآن وفهمه.
إن إغلاق عقولنا عن تدبر القرآن بحجة عدم معرفة تفسيره، والإكتفاء بقراءة ألفاظه مدخل من مداخل الشيطان على العبد ليصرفه عن الإهتداء به.
وإذا سلمنا بهذه الحجة فإن العقل والمنطق والحزم والحكمة أنك إذا أشكل عليك معنى آية أن تبادر وتسارع للبحث عن معناها والمراد بها لا أن تغلق عقلك فتقرأ دون تدبر أو تترك القراءة.
الكاتب: د. خالد اللاحم.
المصدر: موقع ياله من دين.